بسم الله الرحمن الرحيم
الحج في مجمله خطوات الأنبياء فالطواف عمل آدم عليه السلام ، والسعي بين الصفا والمروة عمل هاجر أم إسماعيل عليهما السلام عندما أمره الله أن يحمل ولده وأمه ويضعهما بجوار البيت فالتفتت إليه وقالت يا إبراهيم لمن تتركنا في هذا المكان الذي لا ماء فيه ولا إنس ولا حيوان فلم
يجبها ، فقالت: يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يجبها ، فقالت: أالله أمرك بذلك؟ قال: نعم ، قالت: إذاً لن يضيعنا
فلما نفذ الماء القليل الذي معها وأحس ابنها بالجوع وكان رضيعاً يرضع من ثديها اللبن وفتشت عن اللبن في صدرها فلم تجد ، فأخذت تبحث عن الماء لتشرب منه فصعدت إلى جبل الصفا لتنظر خلفه هل تجد ماء فلما لم تجد نزلت إلى بطن الوادي ثم هرولت مسرعة كما يفعل الحجيج بين الميلين الأخضرين ثم نزلت حتى وصلت إلى جبل المروة تنظر خلفه هل تجد ماءاً
وكررت هذا العمل سبع مرات وهو السعي بين الصفا والمروة لحجاج بيت الله الحرام وبعد أن أتمت المرة السابعة ، نظرت فوجدت طيوراً حول ابنها فخافت عليه وأسرعت إليه فوجدت الماء وقد نبع من تحت قدميه ماء كثير يفور وأخذت تزمه بالتراب وتقول زمي زمي فسمى زمزم ، قال الحَبيب صلى الله عليه وسلم {يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيـلَ لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيناً}{1}
فكان ماء زمزم من نبع قدم إسماعيل عليه السلام ، وفيه الشفاء وفيه الدواء وفيه الخير ويكفي فيه قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: {مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ}{2}
فيه طعام طعم وفيه شفاء سقم ، فهو الماء الوحيد الذي يطعم الجائع ويروي الظامئ ويشفي المريض من أي داء إذا صدق النية وأخلص الطوية في شربه لربِّ البرية عز وجل
فلما بلغ الولد ثلاثة عشر عاماً أمر الله عزوجل أبيه إبراهيم ليلة الثامن من ذي الحجة في المنام أن يذبح ابنه إسماعيل ، فلما أبطأ في اليوم الثامن وتروى في هذا الأمر وفكر فيه وظن أنه ربما يكون من الشيطان فسمي يوم التروية لأنه تروى في أمره فلم يسارع في تنفيذ أمر ربه
فلما جاءت ليلة التاسع رأى في المنام مرة أخرى أنه يذبح ابنه فعرف أن ذلك وحي من الله وأن هذه الرؤيا رؤيا حق من الله فسمى يوم عرفة لأنه عرف أن رؤياه حق ، ولأن آدم وحواء تعارفا فيه على جبل عرفات فسمي المكان بعرفات لأنهما تعارفا عليه ، وعرف إبراهيم فيه أن رؤياه حق من الله فعرض رؤياه على ابنه فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102
فلما أصبح في هذا اليوم وفي هذا الصباح أمر ابنه أن يأخذ المدية يعني (السكين) ويأخذ الحبل ، ويذهب إلى منى ليوهم أمه أنهما ذهبا ليحتطبا منها وليجمعا منها الحطب ، فذهبا إلى منى في هذا اليوم وفي مثل هذه الساعة فظهر لهما الشيطان عند جمرة العقبة فقذفه بسبع حصيات فصارت سنة عنه إلى يوم الدين
ثم ذهب لهما الشيطان مرة أخرى عند الجمرة الوسطى فقذفه بسبع حصيات فصارت سنة إلى يوم الدين ، فظهر له مرة ثالثة عند الجمرة الصغرى فقذفه بسبع حصيات وتلك سنن اليوم كلها عن أبيكم إبراهيم ونبي الله إسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام
فلما وصلا إلى المنحر بمنى وهو مكان الذبح وموضع النحر قال إسماعيل لأبيه يوصيه يا أبتي أشدد وثاقي جيداً حتى لا اضطرب فتأخذك الرحمة في تنفيذ أمر الله وانزع قميصي حتى لا ينزل عليه دم فتراه أمي فتحزن واجعل وجهي إلى الأرض حتى لا تنظر إلي فتأخذك الشفقة في تنفيذ أمر الله وأشحذ المدية (السكين) حتى تقطع بسرعة
فأوثقه بالحبال جيداً ثم ألقاه على وجهه فلما همَّ بذبحه ، قال يا أبتي فك يدي وقدمي حتى لا يقال بأنه كان يوجد رباط في يدي ورجلي خوفاً من تنفيذ أمر الله ، فأطلق يديه وقدميه ووضع السكين على رقبته وأمرها بسرعة فإذا هي لا تقطع فخاطبها وقال لها مالك يا سكين لا تقطعي عنق إسماعيل ، فأنطقها الله وقالت ولماذا النار لم تحرق جسمك يا إبراهيم؟
فإن الله الذي أمر النار أن تكون برداً وسلاماً فلم تحرق إلا الحبال والقيود من إبراهيم هو الذي أمر السكين أن لا تقطع رقبة إسماعيل فتدارك إبراهيم ، وبينما يلتفت إلى وراءه وجد أمين الوحي جبريل ومعه ذبح عظيم هذا الذبح هو الذي قدمه هابيل إلى الله عندما تنازع وأخوه قابيل على الزواج بأخت قابيل
فطلب منهما الله أن يقدما قرباناً فقدم قابيل من عمله وهو الزراعة زروعاً رديئة وقدم هابيل من عمله وهو الرعي كبشاً ثميناً فارعاً فتقبله الله ونزلت سحابة فحملته وظل يرعى في أرجاء الجنة حتى أنزله الله ليفدي به إسماعيل على يدي خليل
الله عليه السلام ، قال صلى الله عليه وسلم: {مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَأَشْعَارِهَا ، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِمَكَانٍ ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً وأبشروا}{3}
وقال صلى الله عليه وسلم: {إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ}{4}
وقال صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة {يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ ، فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ}{5}
{1} رواه البخارى عن ابن عباس
{2} رواه الحاكم والدار قطني والبيهقي والديلمي عن ابن عباس
{3} رواه الترمذي والبيهقى وابن ماجة عن عائشة
{4} رواه السيوطي في الفتح الكبير والديلمي عن أبي هريرة
{5} رواه البزار وابن حبان في كتاب الضحايا والأصبهاني عن أبي سعيد